وأسوأ من هذا: لو أن أحداً ممن ينتمي في الأصل إلى هذه الحرف، أو المهن؛ بلغ في العلم ما بلغ، وبلغ في الخير ما بلغ، وبلغ في التقوى ما بلغ؛ لرأيت من يقول له قريباً من قول: يا ابن السوداء، أو يابن من يفعل كذا، أو يا من مهنته كذا، أو يا من حرفته كذا.. فمهما بلغ وترقى في الدرجات التي هي محل الرقي الحقيقي: علماً، وتقوى، وفضلاً، وعبادة، وجهاداً؛ فإنه لا يزال ينُظر إليه -عند من تمكنت هذه الجاهلية في قلوبهم- من خلال وضعه، ومن خلال مكانته، ولا ينظر فقط إلى الحرف، وإنما هناك النسب، وهو غير النسب القبلي من حيث الآباء والأجداد، وإنما الانتساب إلى شعب، أو إلى طائفة معينة، كما نسمع الآن في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة مع الأسف الشديد، وهي بهذا تعاني من هذه الخصلة الجاهلية.